يتحدث كتاب ـ تاريخ الرسم تأليف : ولدار فلمز ـ باختصار عن موضوع
التصوير التشكيلي عبر العصور منذ عصور ما قبل التاريخ ,
مروراً بعصر النهضة فالتصوير المعاصر , وذلك في أوروبا والشرق القديم , وتحدَّث أيضاً عن فن الرسم بشكل عام قديماً و حديثاً , لا سيما في بداية القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين . كما تطرَّق الى الحديث من الرسم بشكل سريع جدّاً في الأمريكيتين , وعن الفن الاسلامي وفي الصفحات الأخيرة من الكتاب جاء الحديث في فقرة موجزة عن الفن التشكيلي السوري في القرن العشرين في مرحلتيه الأولى والثانية . مما جاء في مقدمة هذا الكتاب نذكر . تعتبر القدرة على التعبير عما يعتمل في النفس من مشاعر وأحاسيس من أهم صفات الإنسان , ونظراً لكون طبيعة هذا الميل فطرية متجذرة في أعماق التكوين الإنساني ويشترك فيها جميع الناس , فإن كل فرد لديه الاستعداد أيضاً لنقل تعبيرات الاخرين , هذا الاستعداد يعتبر من العوامل التي تساهم في تشكيل المجتمعات الإنسانية , وهكذا فإن معظم المجتمعات الإنسانية لم تستغن عن مخاوفها وامالها , يضاف الى ذلك شعور الفرد بذاته ورغبته في تأكيد هذه الذات وميله الغريزي إلى التكاثر , كل ذلك دفعه تلقائياً إلى تجميل حياته وكل ما يتصل بها من ملبس ومسكن وأدوات , ونتيجة حتمية لهذه القدرات والانفعالات والغرائز والأحاسس التي يتميَّز بها الإنسان , تعددت جوانب نشاطه التعبيري لتشملها جميعها , وأصبح النشاط الفني ظاهرة عامة يواجه بها احتياجاته الشخصية والاجتماعية والروحية . لقد قامت كل الحضارات البشرية بلا استثناء على اختلافها وتنوعها بإنتاج أشياء لها أثر خاص في نفوس أصحابها . للفن دور رئيس في حياتنا المعاصرة من حيث إخفاء مسحة الجمال والذوق والأناقة على كل ما نحتاجه في حياتنا اليومية , وأصبح التخصص صفة أساسية لمواجهة التعدد والاتساع في مطالب الحياة , وكان من ثمار حساسية الفنان في عصرنا الحديث تصميمات الملابس والأثاث .. الخ . وهكذا امتص الفن التطبيقي جزءاً كبيراً من طاقة الفنان الابتكارية وقدَّم للجماهير أشياء ذات أشكال جميلة تحقق وظيفتها على أكمل وجه . على أن الفن يؤدي وظيفة أخرى تتمثل في مخاطبة الذكاء والوجدان من خلال ما ينتجه الفنان من أعمال في التصوير والنحت والتحف الزخرفية . إنَّ الفنان رغم أنّه يستفيد من عصره إذ يعتبر في كثير من الأحيان لسان حاله , إلاَّ أنَّنا نجده في كثير من الحالات سابقاً عليه , فهو دائماً يصنع الجديد والمختلف , فكثير من المعروضات العظيمة كانت مستهجنة من الملتقي ولم تلقَ استحساناً ولا إعجاب إلا في مراحل متقدمة من عمر هذه الأعمال الفنية . وفي الحديث عن بعض العناصر الأساسية في الرسم , تمَّ الإشارة إلى عنصر الخط ودلالته واستعمالاته وقيمته , فعنصري الظل والنور ثم عنصر اللون .. اكتشف العلماء لوحات تدل جودتها ودقتها على أن التصوير التشكيلي قد نشأ قبل ذلك التاريخ بفترة طويلة , ومن الجائز أن يكون الفنانون البدائيون قد أرادوا فقط تصوير الأشياء التي يقدِّرونها من الناحية الجنسية أو الجمالية . ويتضح أنَّ الأعمال الفنية التي تركها الفنانون القدماء تثبت أنهم كانوا فنانين حقيقيين وأنهم كانوا يرسمون لحبِّهم الرسم . إذا ما نظرنا إلى فن الرسم في بلدان الشرق الأقصى القديم فإنّ فن الرسم في الهند يشمل بلدان شبه القارة الهندية , وقد ارتبط الفن الهندي الذي ساد في تلك البلدان كلها بالأديان المتعددة الموجودة فيها , ولهذا فقد كانت أغلب الموضوعات التي تناولها الفنانون في عهد تدور حول قصص الآلهة والقديسين . وقد استطاع الفنان المصور عن موضوعه بإبراز تعبيرات الوجوه وأوضاع الأجسام وحركات الأيدي , والاستعمال الديناميكي للخط واللون , والضوء . أمَّا فن الرسم الصيني فيشير الى أنَّ كل المعتقدات الدينية الصينية ركزت على حب الطبيعة وإنَّ الفنانين قد اهتموا بتصوير المناظر الطبيعية , والطيور والزهور والجبال . إنَّ التصوير والخط كانا دائماً متلازمين حيث يوضحان الحد الذي وصل إليه الفنان الصيني من التحكم في الفرشاة في رسم خطوط لينة ذات دلالات فنية وتعبيرية عالية مجملة بالحقيقة التي تعبر عن الباطن أكثر مما تعبّر عن ظواهر الأشياء . وبالنسبة لفن الرسم الياباني فقد تأثر الفن الصيني إلى حدٍّ كبير , وكان ذلك بعد أول صلة لليابانيين بالصينيين في القرن السادس الميلادي , أمَّا في الإشارة الى التصوير التشكيلي المصري القديم فيمكننا القول : إن أقدم تصوير تشكيلي مصري يعود تاريخه إلى ما قبل / 5000 / سنة بقليل , وقد طوَّر قدماء المصريين أسلوباً خاصاً بهم ومميزاً لهم زينوا به معابدهم وقصورهم ومقابرهم . أمّا الصفحات من / 23/ وحتى / 90 / فقد تضمنت ما يتعلق بفن الرسم في أوروبا قديماً وفي القرون الوسطى , وفي عصر النهضة وما بعد ذلك ومن ثم عن اتجاهات الفن في القرنين التاسع عشر والعشرين مع ذكر نبذة موجزة عن أهم اعلام الفن والتصوير التشكيلي في مختلف العصور التاريخية وتنوّع الاتجاهات الفنية الأوروبية . الصفحات الأخيرة من الكتاب شملت موضوع نبذة موجزة عن الفن التشكيلي المعاصر في الوطن العربي والفن التشكيلي السوري في القرن العشرين , حيث جاء : إنَّ البدايات الأولى للفن العربي المعاصر لا تمتد إلى أبعد من مطلع القرن العشرين , إلا أنّه وعلى الرغم من ذلك فقد حقق خطوات نوعية مهمة واستطاع أن يؤكد حضوره على الساحة الفنية العالمية خلال فترة ليست بالطويلة , حيث كان في بداياته قائماً على تقليد الاتجاهات الفنية الغربية , لكنه سرعان ما عاد للبحث عن شخصيته الفنية التي تميزه , فأخذ الفنان العربي يبحث عن رؤية تشكيلية عربية معاصرة تمتلك جذوراً تمتد في البيئة المحلية بالإضافة إلى امتلاكها شخصية متفردة تتلاءم مع طبيعة مجتمعه وتركيبته الثقافية والمعنوية والروحية .. وكان الفنان ملتصقاً بقضايا وهموم شعبه في تلك المرحلة التي اتسمت بارتفاع حدة الشعور القومي نتيجة الاستعمار الأجنبي , حيث جاءت أغلب أعمال هؤلاء الفنانين لتعكس تلك المرحلة , بالإضافة إلى محاولتها البحث عن الهوية والخصوصية ;. أمّا عن الفن التشكيلي السوري في القرن العشرين , فقد قسَّم النقاد تاريخ الحركة التشكيلية السورية الحديثة إلى مرحلتين أساسيتين تمثلان نقطتي الارتكاز في تاريخ هذه الحركة . 1- المرحلة الأولى : وهي المرحلة التي كان فيها التركيز على المدارس الوافدة من الغرب , وتمتد هذه المرحلة بين عامي ( 1900 - 1950 ) وقد برزت في هذه المرحلة الاتجاهات الفنية التالية : - الاتجاه الانطباعي والاتجاه التسجيلي والاتجاه الواقعي . 2- المرحلة الثانية : تمتد هذه المرحلة تاريخياً من بداية الخمسينيات إلى بدايات السبعينيات حيث تميزت هذه المرحلة برغبة فنانيها بتجاوز الاتجاهات الفنية الغربية الوافدة التي جاء بها عدد من الفنانين الروّاد الذين درسوا الفن في أوروبا - إلى اتجاهات تراوحت بين الحداثة واستلهام التراث . وقد تميزت هذه المرحلة بظهور عدد من الاتجاهات الفنية كان من أبرزها وأكثرها انتشاراً وقبولاً الاتجاه التعبيري وإلى جانب التعبيرية ظهرت اتجاهات فنية لم تستمر كثيراً ولم تحقّق حضوراً متميزاً كالاتجاه التكعيبي والاتجاه السريالي . أخيراً نقول : إنَّ للرسم دوراً هاماً في التحولات التي عاشتها البشرية كونها وثائق صادقة وحقيقية تكشف مناطق وتواريخ مختلفة من حياة البشرية » طقوس عباداتهم , حرفهم ومهنهم .. الخ « يعتمد كثير من علماء الأنثربولوجيا على تلك الرسومات في أبحاثهم , ويتصدر الشرق دوراً واضحاً في هذا الخصوص , فمن سورية انطلق أول رسم للأبجدية - أوغاريت - في تاريخ العالم .
ـبسَّام نوفل هيفاـ